لقد نمت الأبحاث متعددة التخصصات بشكل مطرد في السنوات
الأخيرة، حيث أصبحت الحدود بين المجالات العلمية تتلاشى ببطء تدريجيًا. يُنظر إلى
البحث متعدد التخصصات اليوم على نطاق واسع، باعتباره الطريقة الأكثر فاعلية
لمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المعقدة، فضلًا عن كونه أفضل طريقة
لتطوير مسارات معرفية جديدة 1. يجمع البحث متعدد التخصصات باحثين من مختلف
المجالات يعملون معًا؛ لحل المشكلات المشتركة وتحقيق التقدم العلمي.
يعد مجال علم الاقتصاد العصبي neuroeconomics مثالًا للبحوث
متعددة التخصصات، والذي يدمج المبادئ والمفاهيم الاقتصادية مع فهم علم الأعصاب؛
لاكتساب فهم أعمق للآليات العصبية التي يقوم عليها السلوك الاقتصادي. ونتيجةً
لذلك، يغيّر من عملية صنع القرار البشري. مثال آخر للبحث متعدد التخصصات هو دراسة
علم المواد study of materials science،
الذي يجمع بين الهندسة والفيزياء والكيمياء؛ لتوليد مواد جديدة مبتكرة ذات خصائص
محددة مميزة.
لقد أسفرت هذه الأبحاث متعددة التخصصات عن نتائج رائدة، حيث
من المرجح أن يكون لديها القدرة على إحداث ثورة في التنمية الاجتماعية
والاقتصادية، وتحويل مسار الصناعات، وزيادة معرفتنا بالأنظمة المعقدة.
مزايا البحث متعدد التخصصات
تعد القدرة على ربط المفاهيم بالأفكار المتباينة في صميم
الدراسات متعددة التخصصات. ضع في اعتبارك المزايا العديدة للبحث متعدد التخصصات
التالية.
• يشجع على التبادل المعرفي النشط.
يسمح البحث متعدد التخصصات بالمعرفة النشطة، ومشاركة المفاهيم
بين الأكاديميين والباحثين من العديد من التخصصات. يمكن للباحثين تحقيق رؤى جديدة
وحلول إبداعية واكتشافات إبداعية، من خلال العمل الجماعي المشترك وتجميع معارفهم
ومواهبهم ومهاراتهم، وهو ما لم يكن من الممكن تحقيقها باستخدام المنهجيات
التقليدية الخاصة بالانضباط وقواعد السلوك.
• يعالج التحديات والقضايا العالمية
المعقدة.
يمكن أن يساعد البحث متعدد التخصصات في معالجة تحديات ومشكلات
العالم الحقيقية، التي تتطلب نهجًا متعدد التخصصات. على سبيل المثال، يتطلب
التهديد الذي يلوح في الافق الذي يجلبه تغير المناخ إلى عالمنا خبرة من مجموعة
متنوعة من المجالات، بما في ذلك العلوم البيئية والجيولوجيا والاقتصاد والسياسة.
يعتبر هذا النهج متعدد التخصصات ضروري للغاية؛ للتخفيف من آثار تغير المناخ على
الموارد الطبيعية والإنتاجية الزراعية والحياة على كوكب الأرض.
• يؤدي إلى تشكيل مجالات علمية جديدة.
يمكن للباحثين المساعدة في اكتشاف الاهتمامات العالمية
وتحديدها وبناء تخصصات علمية جديدة، من خلال التفاعل والتعاون مع فرق مكونة من
خبراء ومختصين في مجموعة متنوعة من المجالات. يمكن أن يلهم البحث متعدد التخصصات
والتعاون مع العلماء والخبراء من تخصصات مختلفة، إنشاء مجالات بحث جديدة تمامًا
وتطويرها، تستكشف مناطق غير معروفة من قبل. على سبيل المثال، يجمع تخصص
المعلوماتية الحيوية Bioinformatics
بين علوم الكمبيوتر وعلم الأحياء؛ لتقديم مناهج وطرق مبتكرة وجديدة لدراسة
البيانات البيولوجية.
عيوب البحث متعدد التخصصات
في حين أن مزايد البحث متعدد التخصصات تبدو واضحة للجميع، إلا
أن هناك أيضًا عيوبًا ومساوئ محتملة للبحث متعدد التخصصات أدناه.
• قد يكون من الصعب إيجاد أرضية مشتركة.
تتمثل إحدى المساوئ
الأساسية للبحث متعدد التخصصات في أنه قد يكون من الصعب تحديد أرضية مشتركة بين
الباحثين من مختلف المجالات، حيث قد يكون لديهم طرق مختلفة في التفكير والأساليب
لحل المشكلات. يمكن أن يؤدي ذلك إلى صعوبات حقيقية في الاتصال وتضارب حول هدف
البحث واتجاهه.
• بحوث تستغرق وقتًا طويلًا وتتطلب
موارد مكثفة.
لسوء الحظ، عادةً ما يتطلب البحث متعدد التخصصات مزيدًا من
الوقت والموارد أكثر من الدراسة التقليدية المتخصصة. وذلك لأن الباحثين سيحتاجون
إلى قضاء المزيد من الوقت والطاقة في التعرف على أقرانهم من خلفيات مختلفة،
والحصول على فهم أساسي للموضوعات والتخصصات الأخرى. هذا أيضًا يجعل تمويل البحث
متعدد التخصصات أكثر صعوبة، وقد يتسبب في تأخير المشروع.
البحث متعدد التخصصات يفيد الباحثين 2
على الرغم من هذه القيود والتحديات، من المتوقع أن يتوسع
البحث متعدد التخصصات في السنوات القادمة، مما يفتح العديد من الإمكانات والفوائد
والفرص للبحث متعدد التخصصات.
• مهارات التفكير النقدي المحسنة: يجب على الباحثين متعددي التخصصات تقييم وجهات نظر متعددة
والجمع بين مفاهيم من مجالات أخرى لمعالجة موضوع بحث محدد. يساعد هذا في تطوير
قدرات ومهارات التفكير النقدي لدى الباحثين، وتعزيز مستوى معرفتهم، والارتقاء
بحياتهم المهنية.
• نهج شامل لحل المشكلات: من خلال الاستكشاف عبر مختلف الحقول المعرفية والنظر إلى التخصصات الأخرى،
قد يكتسب الباحثون رؤى جديدة أو محسنة حول بياناتهم ومنهجياتهم البحثية. كما تمكن
الأبحاث متعددة التخصصات العلماء من فهم واستخدام المفاهيم والأفكار متعددة التخصصات؛
من أجل دعم وشرح أبحاثهم الخاصة.
• الرؤية لجمهور أوسع: غالبًا ما تكمن الموضوعات البحثية المثيرة للاهتمام في حدود التخصصات
البحثية الأكثر تقليدية. يمكنك زيادة تعرض الجمهور لدراستك والوصول إليها، من خلال
التفكير بشكل إبداعي، والاستفادة من مهاراتك وخبرتك بالتعاون مع أقرانك من عدة
مجالات وتخصصات مختلفة.
في بيئة متغيرة باستمرار وسريعة التطور، يتم استخدام البحث
متعدد التخصصات؛ لاكتشاف حلول مبتكرة جديدة لتحديات ومشكلات أكثر تعقيدًا وتنوعًا.
يعد مشروع الجينوم البشري Human Genome Project
مثالًا ساطعًا للدراسة متعددة التخصصات، حيث يعمل متخصصون وخبراء في علم الوراثة
وعلم الأحياء والمعلوماتية الحيوية وعلوم الكمبيوتر معًا لإكمال تسلسل الجينوم
البشري. لقد استغرق الأمر مئات الباحثين من جميع أنحاء العالم أكثر من عقد لإكمال
هذا العمل الرائع بنجاح.
لقد أحدثت هذه النتائج ثورة هائلة في معرفتنا بعلم الوراثة،
وفتحت طرقًا جديدة لدراسة الأمراض الوراثية وعلاجها. يعد إنشاء مصادر طاقة متجددة
جديدة ومستدامة مثالًا آخر على البحث متعدد التخصصات. لقد تعاون باحثون من علوم
البيئة والهندسة والجيولوجيون معًا؛ لتطوير تقنيات جديدة مثل الألواح الشمسية
وتوربينات الرياح وأنظمة تخزين الطاقة، والتي لديها القدرة على تغيير طريقة
إنتاجنا واستهلاكنا للطاقة.
يظل البحث متعدد التخصصات أمرًا بالغ الأهمية في معالجة الموضوعات والقضايا العلمية الصعبة، وتقديم مناهج جديدة لمشكلات العالم الحقيقي وتطويرها. وكما توضح الأمثلة السابقة، يمكن أن يؤدي البحث متعدد التخصصات إلى بعض الاكتشافات والإنجازات المذهلة؛ وعلى الرغم من أنها قد تجلب بعض التحديات والمشكلات المبكرة، إلا أنها لحسن الحظ طغت عليها مزاياها العديدة.